فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {يا أيها النبي لِم تُحرّمُ ما أحلّ الله لك}،
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خلا في يوم لعائشة رضي الله عنها مع جاريته مارية القبطية، فوقعت حفصة على ذلك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تُعْلِمِي عائِشة» وحرم مارية على نفسه، فأخبرت حفصة عائشة بذلك، فأطلع الله تعالى نبيه على ذلك، فطلق النبي صلى الله عليه وسلم حفصة، فأمر الله تعالى رسوله بكفارة اليمين، لتحريم جاريته على نفسه، وأمره بأن يراجع حفصة، فقال له جبريل: راجع حفصة، فإنها صوامة قوامة، ونزلت هذه الآية: {عِلْما يا أيها النبي لِم تُحرّمُ ما أحلّ الله لك} يعني: مارية {تبْتغِى مرْضات أزواجك} يعني: تطلب رضا زوجتك عائشة.
{والله غفُورٌ} فيما حرم على نفسه.
ويقال: غفور لذنب حفصة.
{رّحِيمٌ} حيث لم يعاقبها.
{قدْ فرض الله لكُمْ تحِلّة أيمانكم} يعني: بيّن الله لكم كفارة أيمانكم.
ويقال: أوجب الله عليكم كفارة أيمانكم.
وفي الآية وجه آخر؛ روى هشام بن عروة، عن أبية، عن عائشة رضي الله عنها وعن أبيها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلو والعسل، وكان إذا صلى العصر، دار على نسائه، فيدنو منهن؛ فدخل على حفصة، فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس، فسألت عائشة عن ذلك، فقيل لها: أهدت لها امرأة من قومها عكة عسل، فسقت لرسول الله صلى الله عليه وسلم منه.
فقالت: أما والله لنحتالن.
فذكرت ذلك لسودة، وقالت: إذا دخل فإنه سيدنو منك، فقولي له: أكلت المغافير؟ فإنه سيقول لك: لا.
فقولي له: ما هذه الريح؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد عليه إذا وجد منه الريح، فإنه سيقول لك: حفصة سقتني شربة عسل.
فقولي له: جرست نحلة العُرْفُط يعني: أن تلك النحلة أكلت العرفط، وهو نبات به رائحة منكرة.
وسأقول له ذلك، وقولي له أنت يا صفية.
فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على سودة، قالت سودة: لقد كدت أن أناديه وإنه لعلى الباب فرقا منك، فلما دنا مني، قلت: أكلت المغافير؟ قال: «لا»، قالت: فما هذه الريح؟ قال: «سقتني حفصة شربة عسل».
قلت: جرست نحلة العرفط.
فلما دخل على صفية، قالت له مثل ذلك، فلما دخل على حفصة، قالت له: يا رسول الله، ألا أسقيك منه؟ قال: «لا حاجة لي به».
وروى ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب من شراب عند سودة من العسل، فدخل على عائشة، فقالت له: إني أجد منك ريحا.
ثم دخل على حفصة، فقالت: إني أجد منك ريحا.
قال: «أراه من شراب شربته عند سودة، والله لا أشربه»، فنزل: {عِلْما يا أيها النبي لِم تُحرّمُ ما أحلّ الله لك}.
ثم قال: {قدْ فرض الله لكُمْ تحِلّة أيمانكم} يعني: أوجب عليكم كفارة أيمانكم.
{والله مولاكم} يعني: ناصركم وحافظكم {وهُو العليم} بما قالت حفصة لعائشة في أمر مارية.
{الحكيم} حكم بكفارة اليمين.
ثم قال عز وجل: {وإِذ أسرّ النبى} يعني: أخ في النبي {إلى بعْضِ أزواجه حديثا} يعني: كلاما.
{فلمّا نبّأتْ بِهِ} يعني: أخبرت بذلك الخبر حفصة عائشة، {وأظْهرهُ الله عليْهِ} يعني: أظهر الله قولها لرسوله صلى الله عليه وسلم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة، فأخبرها ببعض ما أخبرت عائشة، ولم يخبرها عن الجميع، فذلك قوله: {عرّف بعْضهُ وأعْرض عن بعْضٍ} يعني: سكت عن بعض.
ومن هذا قيل: إن الكريم لا يبالغ في العتاب.
قرأ الكسائي: {عرّف} بالتخفيف يعني: جازاها ببعضه، والباقون {عرّف} بالتشديد يعني: عرف حفصة.
{فلمّا نبّأها بِهِ} يعني: لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الخبر حفصة، {قالتْ منْ أنبأك هذا} يعني: من أخبرك بهذا.
{قال نبّأنِى} يعني: أخبرني {العليم الخبير}.
قوله تعالى: {إِن تتُوبا إِلى الله} يعني: عائشة وحفصة، {فقدْ صغتْ قُلُوبُكُما} يعني: مالت قلوبكما عن الحق.
وذكر عن الفراء أنه قال: معناه إن لا تتوبا إلى الله، {فقدْ صغتْ قُلُوبُكُما} عن الحق، ويقال: فيه مضمر، ومعناه: إن تتوبا إلى الله يقبل الله توبتكما، ويقال معناه إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما يعني: مالت إلى الحق.
وروى الزهري، عن عبد الله بن عباس قال: كنت مع عمر رضي الله عنه حين حج، فلما كنا في بعض الطريق، نزل في موضع، فقلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان اللتان قال الله تعالى: {إِن تتُوبا إِلى الله}؟ فقال عمر رضي الله عنه واعجبا لك يا ابن عباس.
قال الزهري: كأنه كره ما سأله عنه، ولم يكتمه.
قال: هي حفصة وعائشة رضي الله عنهما ثم قال: كنا معشر قريش قوما نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم فطفقن نساؤنا يتعلمن من نسائهم.
فغضبت يوما على امرأتي، فإذا هي تراجعني.
فأنكرت أن تراجعني، فقالت ما تنكر أن أراجعك، فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لتراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل، فدخل على حفصة، فذكرت لها، فقالت: نعم.
فقلت: قد خاب من فعل ذلك منكن وخسرت، أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله؟ لا تراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تسأليه شيئا، واسأليني ما بدا لك.
قال: كان لي جار من الأنصار يأتيني بخبر الوحي، وأتاه بمثل ذلك.
قال: فأتاني يوما فناداني، فخرجت إليه، فقال: حدث أمر عظيم.
فقلت: ماذا؟ قال: طلق النبي صلى الله عليه وسلم نساءه، فقلت: خابت حفصة وخسرت.
فدخلت على حفصة وهي تبكي، فقلت: أطلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: لا أدري، هو ذا معتزلا في هذه المشربة.
فأتيته، فدخلت فسلمت عليه، فإذا هو متكئ على رمل حصير.
قد أثر في جنبه، فقلت: أطلقت نساءك يا رسول الله؟ قال: «لا».
فقلت: الله أكبر، لو رأيتنا يا رسول الله، وكنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن.
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أقسم أن لا يدخل شهرا عليهن، حتى نزل: {عِلْما يا أيها النبي لِم تُحرّمُ ما أحلّ الله لك} إلى قوله تعالى: {إِن تتُوبا إِلى الله فقدْ صغتْ قُلُوبُكُما}.
ثم قال: {وإِن تظاهرا عليْهِ} يعني: تعاونا على أذاه ومعصيته، فيكون مثلكما كمثل امرأة نوح وامرأة لوط، تعملان عملا تؤذيان بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قرأ عاصم، وحمزة، والكسائي {تظاهر} بالتخفيف، وقرأ نافع وأبو عمرو بالتشديد، وكذلك ابن كثير وابن عامر في إحدى الروايتين، لأن أصله تتظاهر.
{عليْهِ فإِنّ الله هُو مولاه} يعني: وليه وناصره.
{وجِبْرِيلُ وصالح الْمُؤْمِنِين} يعني: أبا بكر وعمر وعثمان وعلي وأصحابه رضي الله عنهم قال: حدثنا الفقيه ابن جعفر قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن حمدان قال: حدثنا أحمد بن جرير قال: حدثنا سعيد بن هشام قال: حدثنا هشام بن عبد الملك، عن محمد بن أبان، عن عبد الله بن عثمان، عن عكرمة في قوله: {وصالح الْمُؤْمِنِين} قال أبو بكر، وعمر رضي الله عنهما قال عبد الله: فذكرت ذلك لسعيد بن جبير، قال: صدق عكرمة.
ويقال: {صالح المؤمنين} يعني: خيار أصحابه.
ثم قال: {والْملئِكةُ بعْد ذلك ظهِيرٌ} يعني: الملائكة أيضا أنصار النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يعني: مع ذلك أعوان النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم قال: {عسى ربُّهُ إِن طلّقكُنّ}، فخوفهن الله تعالى بفراق النبي صلى الله عليه وسلم إياهن، وعسى من الله واجب {إِن طلّقكُنّ} عسى ربه {أن يُبْدِلهُ أزواجا}.
قرأ نافع، وأبو عمرو {يُبْدِلهُ} بتشديد الدال، والباقون بالتخفيف ومعناهما واحد.
يقال: بدّل وأبدل.
{خيْرا مّنكُنّ مسلمات} يعني: مستسلمات لأمر النبي صلى الله عليه وسلم.
ويقال: يعني: معينات.
ثم قال: {مؤمنات} يعني: مصدقات في إيمانهن، {قانتات} يعني: مطيعات لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، {تائبات} يعني: راجعات عن الذنوب، {عابدات} يعني: موحدات مطيعات، {سائحات} يعني: صائمات.
وقال أهل اللغة: إنما سمي الصائم سائحا، لأن الذي يسيح للعبادة لا زاد معه، يمضي نهاره لا يطعم شيئا؛ ولذلك سمي الصائم سائحا، {ثيبات وأبْكارا}.
الثيبات: جمع الثيب؛ والأبكار: جمع البكر. وهن العذارى.
ويقال: هذا وعد من الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يزوجه في الجنة، والثيب: هي آسية امرأة فرعون، والبكر: هي مريم أم عيسى عليه السلام وهي ابنة عمران تكون وليته في الجنة، ويجتمع عليها أهل الجنة فيزوج الله تعالى هاتين المرأتين محمدا صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: {وأبْكارا يا أيُّها الذين ءامنُواْ قُواْ أنفُسكُمْ} يعني: بعدوا أنفسكم عن النار بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
{وأهْلِيكُمْ} يعني: أهليكم {نارا} بتعليمهم ما ينجيهم منها.
وقال قتادة: مروهم بطاعة الله تعالى، وانهوهم عن معصية الله.
وقال مجاهد: يعني: أوصوا أهليكم بتقوى الله؛ ويقال: أدبوهم وعلموهم خيرا، تقوهم بذلك نارا {وقُودُها} يعني: حطبها.
والوقود: ما توقد به النار يعني: حطبها {الناس} إذا صاروا إليها وحطبها، {والحجارة} قبل أن يصير الناس إليها، وهي حجارة الكبريت.
ثم قال: {عليْها ملئِكةٌ غِلاظٌ شِدادٌ} يعني: على النار ملائكة موكلين غلاظ يعني: أقوياء يعملون بأرجلهم، كما يعملون بأيديهم {لاّ يعْصُون الله ما أمرهُمْ ويفْعلُون} يعني: ليسوا كأعوان ملوك الدنيا يمتنعون بالرشوة، ولكن يفعلون {ما يُؤْمرُون} يعني: لا يفعلون غير ما أمرهم الله تعالى.
ثم قال: {يُؤْمرُون يا أيُّها الذين كفرُواْ لا تعْتذِرُواْ اليوم} يعني: يقول لهم الملائكة يوم القيامة حين يعتذرون: {لا تعْتذِرُواْ اليوم} يعني: لا يقبل منكم العذر.
{إِنّما تُجْزوْن ما كُنتُمْ تعْملُون} يعني: تعاقبون بما كنتم تعملون في الدنيا من المعاصي.
ثم أمر المؤمنين بالتوبة عن الذنوب.
فقال: {تعْملُون يا أيُّها الذين ءامنُواْ تُوبُواْ إِلى الله توْبة نّصُوحا} يعني: صادقا في توبته، ويقال: تنصحون لله فيها من غير مداهنة.
وروى سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير قال: سئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن التوبة النصوح، فقال: هو الرجل يتوب من عمل السوء، ثم لا يعود إليه أبدا.
وروي، عن ابن عباس أنه قال: توبة النصوح: الندم بالقلب، والاستغفار باللسان، والإضمار أن لا يعود إليها.
قرأ نافع، وعاصم في إحدى الروايتين {توْبة نّصُوحا} بضم النون، والباقون بالنصب.
فمن قرأ بالنصب، فهو صفة التوبة يعني: توبة بالغة في النصح، كما يقال: رجل صبور وشكور.
ومن قرأ بالضم، يعني: ينصحوا بها نصوحا، كما يقال: نصحت له نصحا ونصوحا.
ثم قال: {عسى ربُّكُمْ أن يُكفّر عنكُمْ سيئاتكم} يعني: يغفر لكم ما مضى من ذنوبكم إن تبتم.
{ويُدْخِلكُمْ جنات تجْرِى مِن تحْتِها الأنهار يوْم لا يُخْزِى الله النبى} صار اليوم نصا لنزع الخافض يعني: يكفر عنكم في يوم لا يخزي الله النبي.
قال الكلبي: يعني: لا يعذب الله النبي، ويقال: يوم لا يخزيه فيما أراد من الشفاعة.
وغيره، وتم الكلام.
ثم قال: {النبى والذين ءامنُواْ معهُ نُورُهُمْ يسعى بيْن أيْدِيهِمْ} يعني: على الصراط.
وروى الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مِن المُؤْمِنِين منْ نُورُهُ أبْعدُ ما بيْننا وبيْن عدنِ أبْين، ومِنْهُمْ منْ نُوُرُه لا يُجاوِزُ قدميْهِ» فقال: {نُورُهُمْ يسعى بيْن أيْدِيهِمْ} يعني: يضيء بين أيديهم.
{وبأيمانهم} يعني: عن أيمانهم وعن شمائلهم على وجه الإضمار.
{يقولون ربّنا أتْمم لنا نُورنا}، ذلك حين طفئت أنوار المنافقين، أشفق المؤمنون على نورهم، ويتفكرون فيما مضى منهم من العذاب، فيقولون: {ربّنا أتْمم لنا نُورنا} يعني: احفظ علينا نورنا، {واغفر لنا} ما مضى من ذنوبنا {إِنّك على كُلّ شيء قدِيرٌ} من إتمام النور والمغفرة.
قوله تعالى: {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين} يعني: جاهد الكفار بالسيف، وجاهد المنافقين بالقول والتهديد.
{واغلظ عليْهِمْ} يعني: اشدد عليهم، يعني: على كلا الفريقين، يعني: على الكفار بالسيف، وعلى المنافقين باللسان.
{ومأْواهُمْ جهنّمُ} يعني: إن لم يرجعوا ولم يتوبوا، فمرجعهم إلى جهنم، {وبِئْس المصير} يعني: بئس القرار وبئس المرجع.
قوله تعالى: {ضرب الله مثلا} يعني: وصف الله شبها لكفار مكة، وذلك أنهم استهزؤوا وقالوا: إن محمدا صلى الله عليه وسلم يشفع لنا.
فبيّن الله تعالى أن شفاعته عليه السلام لا تنفع لكفار مكة، كما لا تنفع شفاعة نوح لامرأته. وشفاعة لوط لامرأته.
وذلك قوله: {للذِين كفرُواْ امرأت نُوحٍ} واسمها واعلة، {ضرب الله} واسمها داهلة.
ويقال: فيه تخويف لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ليثبتن على دينه وطاعته.
ثم قال: {كانتا تحْت عبْديْنِ مِنْ عِبادِنا صالحين} يعني: نوحا ولوطا عليهما السلام {فخانتاهُما} يعني: خالفتاهما في الدين.
وروي عن ابن عباس أنه قال: ما زنت امرأة نبي قط، وما كانت خيانتهما إلا في الدين.
فأما امرأة نوح كانت تخبر الناس أنه مجنون، وأما امرأة لوط كانت تدل على الأضياف.
وقال عكرمة: الخيانة في كل شيء ليس في الزنى.
{فلمْ يُغْنِينا عنْهُما مِن الله شيْئا} يعني: لم يمنعهما صلاح زوجيهما مع كفرهما من الله شيئا، يعني: من عذاب الله شيئا.
{وقِيل} لهما في الآخرة: {ادخلا النار مع الدخلين}، فكذلك كفار مكة، وإن كانوا أقرباء النبي صلى الله عليه وسلم، لا ينفعهم صلاح النبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك أزواجه، إذا خالفنه.
ثم ضرب الله مثلا للمؤمنين، فقال عز وجل: {وضرب الله مثلا للذِين ءامنُواْ} يعني: بيّن الله شبها وصفة للمؤمنين الذين آمنوا.
{امرأة فِرْعوْن}، فإنها كانت صالحة، لم يضرها كفر فرعون، فكذلك من كان مطيعا لله لا يضره شر غيره؛ ويقال: هذا حث للمؤمنين على الصبر في الشدة، يعني: لا تكونوا في الصبر عند الشدة أضعف من امرأة فرعون، صبرت على إيذاء فرعون.
{إِذْ قالتْ ربّ ابن لِى عِندك بيْتا في الجنة}؛ وذلك أن فرعون لما علم بإيمانها، فطلب منها أن ترجع، فأبت ولم ترجع عن إيمانها، فوتدها بأربعة أوتاد في يديها ورجليها، وربطها وجعل على صدرها حجر الرحى، وجعلها في الشمس.
فأراها الله تعالى بيتها في الجنة، ونسيت ما هي فيه من العذاب، وضحكت، فقالوا عند ذلك: هي مجنونة تضحك، وهي في العذاب.
وروى أبو عثمان النهدي، عن سلمان الفارسي قال: كانت امرأة فرعون تعذب في الشمس، فإذا ذرت، أي طلعت الشمس وارتفعت، أظلتها الملائكة بأجنحتها، وأريت مقعدها من الجنة.
وروى قتادة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «حسْبُك مِنْ نِساءِ العالمِين أرْبعٌ مرْيمُ بِنْتُ عِمْران وخدِيجةُ بِنْتُ خُويْلِدٍ وفاطِمةُ بِنْتُ مُحمّدٍ صلى الله عليه وسلم وآسِيةُ امْرأةُ فِرْعوْن».
ثُمّ قال الله عز وجل: {ربّ ابن لِى عِندك بيْتا في الجنة} يعني: ارزقني في الجنة.
{ونجّنِى مِن فِرْعوْن وعملِهِ} يعني: من عذاب فرعون وظلمه.
{ونجّنِى مِن القوم الظالمين} يعني: من قوم فرعون، يعني: من تعييرهم وشماتتهم.
ثم قال عز وجل: {ومرْيم ابنة عِمْران} يعني: واذكر مريم، ويقال: معناه: وضرب الله مثلا مريم ابنة عمران وصبرها على إيذاء اليهود، {التى أحْصنتْ فرْجها} يعني: عفت نفسها عن الفواحش.
{فنفخْنا فِيهِ مِن رُّوحِنا} يعني: أرسلنا جبريل عليه السلام فنفخ في جيب درعها، وذلك قوله: {فنفخْنا فِيهِ مِن رُّوحِنا} أي: في جيبها، أي روحا من أرواحنا، وهي روح عيسى عليه السلام {وصدّقتْ بكلمات ربّها} أي: صدقت بعيسى عليه السلام ويقال: صدقت بالبشارات التي بشرها بها جبريل.
{وكُتُبِهِ} يعني: آمنت بكتاب الله تعالى؛ وقرأ أبو عمرو وعاصم في رواية حفص {وكُتُبِهِ} يعني: الكتب التي أنزلت على الأنبياء، والباقون {بكتابه} يعني: الإنجيل.
وقرأ بعضهم {وصدّقتْ بِكلِمة ربُّها} يعني: صار عيسى مخلوقا بكلمة الله، فصدقت بذلك.
{وكانتْ مِن القانتين} يعني: المطيعين لله. اهـ.